فصل: تفسير الآيات (21- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (21- 28):

{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)}
أخا عاد: هو هود عليه السلام. الأحقاف: جمع حِقف بكسر الحاء، رمال معوجة مستطيلة، وهي بلاد بين عُمان وحضرموت كما تقدم في الكلام على مقدمة السورة. النذُر: جمع نذير، وهو المنذر. من بين يديه: من قبله. ومن خلفه: من بعده. لتأفكنا: لتصرفنا. بما تعدنا: من تعجيل العذاب. العارض: السحاب الذي يعرض في افق السماء. مستقبل أوديتهم: متجها اليها. وحاق بهم: نزل بهم. صرّفنا الآيات: بيناها. قرباناً: متقربا بها إلى الله. ضلّوا عنهم: غابوا عنهم. وذلك إفكُهم: وذلك الذي حل بهم عاقبة كذبهم وافترائهم.
اذكر ايها الرسول لقومك المكذِّبين هوداً، أخا قوم عادٍ، الذي حذّر قومه الذين كانوا يسكنون الأحقاف. وقد مضت الرسُل قبله وبعدَه بمثل ما أنذَر به قومه، اذ قال لهم: لا تعبدوا الا الله وحده، {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}. فما كان جوابُ قومه الا أن قالوا: أجئتنَا لتَصرِفَنا عن عبادة آلهتنا، فأتِنا بما تعِدُنا من العذابِ ان كنتَ من الصادقين.
فقال هود: إنما العِلم بوقتِ عذابكم عندَ الله وحده، وأنا ابلِّغكم رسالة ربي اليكم، {ولكني أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} ما تُبعث به الرسُل وما في مصلحتكم.
فأتاهم العذابُ في صورة سحاب. فلَمّا رأَوه ممتدّا في الأفُق مقبلاً على أوديتهم ظنّوه غيثاً فقالوا فرِحين: هذا سحابٌ جاءنا بالمطر والخير. فقيل لهم: بل هو العذابُ الذي طلبتموه واستعجلتم به. إنها ريحٌ فيها عذابٌ شديدُ الألم، تُهلك كلَّ شيء بأمر ربِّها. ولقد دمرتْهم واستأصلت جميع الأحياء في تلك البلاد.
{فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ}
أصبحوا أثراً بعد عَيْن. بمثل هذا نجزي كلَّ من أجرمَ واستكبر ولم يؤمن بالله ورسله.
ولقد مكنّا عاداً وقومه بالقوة والسَّعة ما لم نمكّن لكم يا أهل مكة، وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة لم ينتفِعوا بها لأنهم كانوا مصرّين على إنكار بآيات الله وجحدها.
{وَحَاقَ بِه مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
وأحاط بهم العذابُ الذي كانوا يستهزئون به.
ولقد أهلكنا القرى التي كانت حولكم يا أهلَ مكة، وبينّا لهم الآياتِ المتنوعةَ والحجج لعلّهم يرجعون عن الكفر. فلم يَرعَووا ولم يرجِعوا. فخُذوا عبرةً من كل ما تلوناه عليكم وارجِعوا عن كفركم وعبادةِ الأوثان لعلّكم تُفلحون.
والمقصود بالقرى التي حولَهم هي أقوام هود وصالح ولوط وشعيب لأنهم كانوا حول ديارهم.
{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ}.
هنا يقول الله تعالى: لم تَنصرهم آلهتُهم وأوثانهم الذين عبدوهم من دون الله، واتّخذوا عبادتَهم قرباناً يتقرّبون به إلى ربهم فيما زعموا، بل غابوا عنهم وتركوهم في أحرجِ الأوقات.
{وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ}
وذلك الذي حلّ بهم من خِذلان آلهتهم لهم وضلالِهم عنهم هو عاقبةُ كذِبهم.

.قراءات:

قرأ عاصم وحمزة وخلف: {لا يُرى الا مساكنهم} بضم الياء من {يرى}، ورفع النون. والباقون: {لا تَرى الا مساكنهم} بفتح التاء ونصب النون.

.تفسير الآيات (29- 32):

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}
صرَفَنا اليك: وجّهنا اليك. النفر: ما بين الثلاثة والعشرة. قُضِيَ: فرغ من تلاوته. ولّوا: رجعوا. من يجِرْكم: من ينقذكم. داعي الله: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد أن ذكر اللهُ ان في الانسِ من آمنَ ومنهم من كفر، بيّن هنا ان الجنّ كذلك، وأنهم عالَمٌ مستقلّ بذاته. ويجب ان نعلم ان عالَم الملائكة وعالَم الجن يختلفان عنا تمامَ الاختلاف ولا نعلم عنهما شيئا الا من الاخبار التي جاءت بها الرسُل الكرام. ونحن نؤمن بوجودهما، وان النبيّ عليه الصلاة والسلام بلّغ الجنَّ رسالته كما ورد هنا وفي عدد من السور.
أخرج مسلم وأحمد والترمذي عن علقمة قال: قلت لعبدِ الله بن مسعود، هل صحبَ رسولَ الله منكم احد ليلة الجنّ؟ قال ما صحبه منا أحد، ولكنّا افتقدناه ذات ليلة، فبتنا بشرِّ ليلة باتَ بها قوم. فلمّا كان وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قِبَل حِراء، فقال: اتاني داعي الجن فأتيتُهم فقرأتُ عليهم القرآن. فانطلق فأرانا آثارهم... الحديث.
وخلاصة معنى هذه الآيات:
لقد وجّهنا إليك أيها الرسول مجموعةُ من الجن ليستمعوا القرآن، فلما سمعوه قالوا: أنصِتوا. فلما فرغ من قراءته رجعوا إلى قومهم فأنذروهم، وقالوا لهم: يا قومنا، لقد سمعنا آياتٍ من كتاب انزله الله من بعد موسى مصدِّقاً لما تقدَّمه من الكتب الالهية، يهي إلى الحق، والى شريعة قويمة، وحياة كريمة، فآمِنوا به يغفرْ لكم من ذنوبكم. يا قومنا أَجيبوا داعي الله الذي يهدي إلى الحق، ومن لم يجب الداعي فإن الله سيهلكه، ولن يستطيع أحد أن يحميَه، ان الذين لا يطيعون الله ورسوله في ضلال مبين.

.تفسير الآيات (33- 35):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)}
لم يعيَ: لم يعجز. اولو العزم: اصحاب الجد والصبر والثبات. بلاغ: كفاية في الموعظة.
يبين الله تعالى هنا ان الذي خلق هذا الكونَ العجيب بمفرده ولم يُعدِزه خلْقُه وما فيه، يقدر على إعادة الموتى وإحيائهم من جديد، {بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ويوم يوقَف الذين كفروا ويُعرضون على النار، يقول الله لهم: أليست النارُ حقيقةً واقعة؟.
فيقولون: بلى واللهِ انها الحق. فيقال لهم: ذوقوا عذابَ النار الذي كنتم به تكذِّبون.
فاصبر ايها الرسول على ما أصابك من اذى وتكذيب، كما صبر أولو العزم من الرسُل قبلك، ولا تستعجل لهم العذابَ فهو واقعٌ بهم لا محالة، كأنّهم يومَ يشاهدون هولَه يظنّون أنّهم ما أقاموا في هذه الدنيا الا ساعةً من نهار. إن هذا القرآن بلاغٌ لهم، فيه الكفاية لمن طلب الرشد والهداية.
ثم بعد ذلك أوعد وأنذر فقال: {فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون}.

.قراءات:

قرأ يعقوب: {يقدر}. والباقون: {بقادر}.
وهكذا تنتهي هذه السورة الكريمة بالوعيد للفاسقين، وما الله يريد ظلماً للعباد.

.سورة محمد:

.تفسير الآيات (1- 6):

{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)}
صدوا عن سبيل الله: صرفوا الناس عن الاسلام. أضلّ اعمالهم: أبطلها. اصلح بالَهم: أصلح حالهم، والبال معناه القلب والخاطر. والبال: الامل، ويقال: فلان رضيّ البال وتاعم البال: موفور العيش هادئ النفس. فضرب الرقاب: فاضربوا رقابهم ضرباً واقتلوهم. أثخنتموهم: اكثرتم فيهم القتل. فشدّوا الوثاق: فأسِروهم واربطوهم. الوثاق بفتح الواو وكسرها ما يوثق به. فإما منّاً بعدُ واما فداء: فاما ان تطلقوا سراحهم بدون فداء، واما ان يفدوا أنفسهم بشيء من المال. حتى تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي الحرب، الأوزار: اثقال الحرب من سلاح وغيره.
قسم الله الناس فريقين: أهلَ الكفر الذين صدّوا الناسَ عن دين الله، وبيّن ان هؤلاء قد أبطلَ اعمالهم، وأهل الايمان الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات، وقد محا عنهم سيئاتهم، وأصلح حالهم في الدين والدنيا.
ثم علل ذلك بان اعمال الفريقين جرت على ما سنَّه الله في الخليقة، بأن الحق منصور، والباطل مخذول، {كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ}، وهكذا شأن القرآن يوضح الأمور التي فيها عظة وذكرى بضرب الامثال للناس ليعتبروا.
ثم بعد ذلك ذكر الله تعالى هنا وجوبَ القتال وأذِن به بعد أن استقر المؤمنون في المدينة، وبدأوا في تأسيس الدولة الاسلامية. وتبين هذه الآياتُ مشروعيةَ القتال للدفاع عن العقيدة والوطن. فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب فاضرِبوا رقابَهم، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل فيهم فأحكِموا قيد الأسرى، وبعد ذلك لكم الخيار: إما أن تُطلقوا الأسرى أو بعضَهم بغير فداء وتمنُّوا عليهم بذلك، وإما ان تأخذوا منهم الفدية، أو تبادلوا بهم بالمسلمين ممن يقع في الأسر. وليكن هذا شأنكم مع الكافرين حتى تنتهي الحرب وتضع أوزارها.
ثم بين الله تعالى ان هذه هي السنّة التي أرادها من حرب المشركين، ولو شاء لانتقم منهم بلا حرب ولا قتال، ولكنه ليختبر المؤمنين بالكافرين شرع الجهاد.
واما الشهداء الذين يُقتلون في سبيل الله فلن يُبطل أعمالهم، بل {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ} وفيها كل ما لذ وطاب، وهم يعرفون منازلهم فيها كما يعرفون منازلهم في الدنيا.

.قراءات:

قرأ أهل البصرة وحفص: {والذين قُتلوا}. بضم القاف وكسر التاء. والباقون {والذين قاتلوا}.

.تفسير الآيات (7- 14):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}
ان تنصروا الله تنصروا دينه. يثبِّت أقدامكم: ينصركم ويوفقكم. تعساً لهم: هلاكاً لهم. أحبطَ اعمالهم: أبطلها. دمر عليهم: أهلكهم، يقال دمر القوم ودمر عليهم: أهلكهم. وللكافرين امثالُها: للكافرين امثالُ عاقبة الذين دمرهم الله. نولى الذين آمنوا: ناصرهم. وأن الكافرين لا مولى لهم: لا ناصر لهم. والنار مثوى لهم: مقرٌّ لهم. من قريتك: من مكة.
يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله (وذلك بنصرِ شريعته، والقيام بحقوق الاسلام، والسيرِ على منهاجه القويم) ينصركم الله على عدوّكم. وهذا وعدٌ صادق من الله تعالى، وقد انجزه للمؤمنين الصادقين من اسلافنا. فنحن مطالَبون الآن بنصر دين الله والسير على منهاجه حتى ينصرنا الله ويثبّت أقدامنا، واللهُ لا يخلف الميعاد.
اما الذين كفروا بالله فتعساً لهم وهلاكا، واللهُ تعالى قد أبطلَ اعمالهم، وجعلها على غير هدى لأنها عُملت للشيطان. فلقد كرهوا ما انزل الله من القرآن وكذّبوا به وقالوا عنه انه سحر مبين، {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}، وهكذا بات عملهم كلّه هباءً وذهبوا إلى النار.
بعد ذلك يوجه الله الناسَ إلى النظر في احوال الأمم السابقة ورؤية آثارهم، لأن المشاهَدة للأمور المحسوسة تؤثر في النفوس، فيقول لهم: افلم تسيروا في الأرض فتنظروا ديار الأمم السابقة التي كذّبت الرسل! اتّعظوا بذلك، واحذروا ان نفعل بكم كما فعلنا بمن قبلكم، ممن اوقعنا بهم الهلاك ودمرنا ديارهم. {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} ان كل من يكفر بالله ينتظره مثل ذلك العذاب. والله وليُّ من آمن به واطاع رسوله، وليس للكافرين من ناصر على الاطلاق.
وبعد أن بيّن حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بيّن هنا نصيب المؤمنين، ونصيب الكافرين في الآخرة، وشتان بين الحالين وبين النصيبين. فالمؤمنون يدخلون جناتٍ عظيمة تجري من تحتها الأنهار إكراماً لهم على إيمانهم بالله ونصرهم لدينه وشريعته. والكافرون يتمتعون في الدنيا قليلا، ويأكلون كما تأكل الحيوانات، غافلين عما ينتظرهم من عذاب أليم، {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} فهي مأواهم الذي يستقرون فيه.
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ...}
وهنا يسلّي الله تعالى رسوله الكريم فيخبره ان كثيراً من أهل القرى السابقين كانوا اشدَّ بأساً وقوة من مكة التي أخرجك اهلُها، ومع ذلك فقد أهلكهم الله بأنواع العذاب فلم ينصُرهم احد، ولم يمنعهم احد.
ثم يبين الله الفرق بين المؤمنين المصدّقين، والكافرين الجاحدين، والسببَ في كون المؤمنين في اعلى الجنان، والكافرين في أسفل الجحيم: {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ}
هل يستوي الفريقان في الجزاء؟ لا يمكن، فالذين آمنوا {على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ} رأوا الحق وعرفوه واتبعوه. والذين كفروا زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا فضلّوا {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} فهل يستوي الفريقان؟ لا يستويان أبدا.